الكاتبة والطبيبة السعودية ولاء تكروني تعرض تجربتها الشخصية تحت عنوان مرئيون في عين السرد بسلطنة عمان

0 191

كتب : مصطفي فكري
عرضت الكاتبة السعودية الشابة ولاء عبدالله محمد تكروني بنت مكة المكرمة تجربتها الشخصية في الحياة والأدب خلال فعاليات الملتقي الخليجي الرابع “السرد” بمجمع السلطان قابوس الشبابي للثقافة والترفيه بمحافظة ظفار بسلطنة عمان تحت الرعاية الكريمة لسعادة احمد بن محسن الغساني رئيس بلدية ظفار وبدأت الكاتبة السعودية ولاء تكروني تجربتها من خلال العرض المتميز والرائع المقدم منها خلال جلسة اليوم الأول والذي لفت انتباه الجميع دون إستثناء وأشاد به جميع السادة الحضور تحت عنوان “مرئيون في عين السرد” وهو كالتالي :مرئيون في عين السرد السلام علیکم الحضور الكريم ينتابني سرور بالغ بتواجدي بينكم اليوم في عودة أثيرة لملتقى السرد بعد طول
غیاب ، و اراكم انبعاثا لمعجزة طفولية حيث انني لم اكن أؤمن في صغري بوجود الكتاب لاسيما ان الكتب التي كانت تتكاثر في منزلنا جعلتني أتصورها تتبرعم من الأرفف كما تتبرعم الأوراق من أغصان الشجر، كنت اؤمن ان تلك الأصوات العليمة التي تنبعث من بين احرفها عوالم من الصور والألوان والموسيقى معجزة تُسلم بوجودها بقدر ما تسلم بسائر المعجزات الموجودة في العالم، لن انكر ان اكتشاف ان ثمة من يمتهنون صناعة الكتب كان محبطا بالنسبة لي آنذاك إذ كان يشبه اكتشاف الاطفال في أوربا بأن سانتا ليس حقيقيًا او اكتشافنا ب ثمة عمال يصبغون السماء بالزرقة كل صباح كان ذلك مخيبا الى حد بعيد.

واضافت الكاتبة والطبيبة السعودية ولاء عبدالله محمد تكروني لكن إيماني بتلك الأصوات لم يتزعزع يوما فكل ما تخطه كان حقيقة بالنسبة لي وكلما تذكره فلأنه يستحق للذكر وكلما لا تأتي على ذكره مستحق للنسيان ولم استوعب الا متأخرا انها كثيرا ما تنساني بل ولا تكاد تراني، فشعر الشخصيات الذي قلما لا يكون شلالًا حريرا لم يكن على الإطلاق يشبه شعري او شعر أخواتي ولوقت طويل تساءلت ماذا يشبهه وحينما رأيت غابا كثيفا للمرة الأولى في حياتي قررت انه ذاك، لأكتب في نعي اختي الصغرى بعد سنوات “عيناك نشيد لا يبالي بالضجيج وشعرك الغاب المطير يا ضحكة الاضواء يا عرس الاماني و ابتسامات الغدير” لم يتزعزع إيماني بالأصوات مطلقا ولكن وبالتدريج بدأ يتزعزع ايماني بوجودي حيث اني لم اكن اعي ان تلك الأصوات كالمرايا وانني كنت انظر اليها ولا أرى انعكاسا لي على الاطلاق ، وحتى تلك التي تجتهد برسم صورة تشبهنى عادة ما تكون مترنحة ما بين صورة تطبع الاساءة اوصورة تطبع المعاناة، كل هذا افضى لاستيعابي لفكرة التشابه والاختلاف وبالنسبة لي وانا ابنة مكة تلك المدينة الغاصة باختلافات عديدة تلك المدينة التي أقول دوما انها وان لم تكن مدينة ساحلية الا انها تطل على الأفق الشاسع المطل من وجوه الناس ، لم أرى مطلقا لماذا قد يشكل الاختلاف مشكلة لا سيما ان مدرستي كانت تبعد عن الحرم المكي ثلاث دقائق ولذا كنت أرى في طريق عودتي برفقة صديقاتي الأفغانيات الناس بكل اطياف اختلافاتهم وفتنت بها وبكل الدهشة المؤجلة التي تعدني بها ، ادركت مبكرا ان باكستان وكازاخستان وأفغانستان دول مختلفة رغم تشابه الإيقاع وان الرعاة والفلاحين في أسيا وافريقيا وأروبا مختلفون رغم تشابه المهن واننا في هذا العالم العملاق جدا متشابهون دومًا مهما اختلفنا ، رأيت الاختلاف يهب للناس حرية مطلقة في ان يكونوا انفسهم وسبيلًا لمعرفتها من خلال الآخرين ورأيته يكسب الوجود ألقا من الدهشة وأفقا لا نهائيا من الأسئلة ولذا شكل اصدامي بالضد من وعي ذاك اذمة عميقة زلزلت رؤيتي للحياة ، فلم أتصور أنني قد القي أناس يريبهم الإختلاف بقدر ما يريبني التشابه وتفزعهم الأسئلة بقدر ما يفزعني غيابها ويمقتون الدهشة علي كونها وقود الوجود بالنسبة لي، لم أفهم ذلك مطلقا وقررت أنني لن أفهم ابدا، حتي في عصر صدام الهويات هذا وتازمها علي نحو يشي بأن ذوبان الحدود المكانية أو الثقافية بين الناس لايعني بالضرورة نجاحهم في إدارة اختلافاتهم بل وعلي النقيض قد يسهم في مضاعفه القلق الجمعي من الآخر كل آخر علي نحو يصنع أرواح يؤرقها علي الدوام فناء وهمي.

لن انكر انني في خضم كل ذلك الضجيج في العالم حولي وفي العالم داخلي شككت في جدوى الاختلاف وتصدعت في صميمي هاوية من الشك وضعتني على شفير التلاشي حيث اننا نتلاشی حين نفقد ايماننا ، كان الطريق وعرا عبر تساؤلاتي وكان قلمي حاضرا على كوني كنت اكثر الناس تشکگا بمدى قابليتي لأن أكون كاتبة ليس لشح التجارب المشابهة التي كانت في متناولي وحسب ولكن لكون صوتي المتشكك والعصبي والغرير لا يشبه الأصوات العليمة الهادئة التي لطالما قرأت لها ولم اعرف سوى مؤخرا ان هذه لم تكن سمائا في صوتي بل في شخصيتي آنذاك وكل ما فعله صوتي هو ان نقلها بأمانة إلى الورق ، الا ان ذواتي الكاتبة الآخذة في النمو والتشكل أغرتني بأن انسى انزعاجي ذاك لأتبع الأفق النامي داخلي ولا زلت أفعل.

اذكر اللحظات التي استحثتني على الكتابة بدئا من المسابقات المدرسية الى اقتراح اختي الكبرى لي ان اجرب تدوین تخيلاتي بل قصص والدتي المفعمة بالترانيم وحتی حکايات جدتي التي تسردها على رهط من الأطفال کنت من بينهم ولازلت اذكرها جالسة على كرسي ابيض بلاستيكي بدي لي بمثابة عرش للحكاء تمنيت ان اعتليه يوما، اذكرها بقدر وافر من الحنين كذکری ما قبل میلاد مد التشابه في عالمي وأي اني آتي على ذكر ذلك مرارا وتكرارا ليس لأنني احب ذلك فعلا بل لأن مقت الاختلاف يتمخض عنه اعتی عدو لكل الجيوش الناعمة في العالم الوصم والأقصاء بوصفهما اكثر مظاهر العداء على الاختلاف الملازم لفكرة النمو الفردي والجماعي إضافة لما يترتب عليهما من تحديات فكرية وصحية واجتماعية حيث يعرف الوصم على انه مجموعة من التصورات السلبية و الغير عادلة ازاء مجموعة من الناس نظير انتماءاتهم الدينية او العرقية او حالتهم الصحية أو الاجتماعية وعلى أن الإقصاء هو اهم مآلته الحتمية الا آن اضراره تتسع لتشمل العزلة الاجتماعية ، تدني الشعور بالقيمة الذاتية، الضغط النفسي ، والشعور بالاغتراب وغياب الدعم الاجتماعي الى جانب انه قد يؤدي للجوء السلوكيات التأقلم السلبية او ما يعرف ب maladaptive coping mechanisms والتي تشمل عدد من السلوكيات الادمانية، في قصتي غرفة تخص البؤس وحده كانت الشخصية الرئيسية “سلوى” فتاة موصومة بالقبح ليس من قبل الآخرين وحسب بل ومن قبل نفسها ايضا واعد الوصم الذاتي من اكثر اشكال الوصم شراسة وتدميرا وقد يوضح ذلك مآل الشخصية في القصة أشير الى هذه القصة بالتحديد لكونها علمتني ان الأنماط الواصمه تشبه الفخاخ واننا کتاب قد نتحالف معها دون وعي منا بإعادة تصديرها للقارئ والتوكيد عليها ولذا تلك الشخصية في القصة ليس لها أي وصف جسدي على الإطلاق حيث انني لم ارد ان تسهم قصتي بإعادة ضخ معايير القبح على نحو يوقعني في التواطئ معها وللأسف هذه نقطة قد تفوت العديد من الكتاب في حين إعلان تحالفهم مع نضال فکري او آخر.
يفهم القليلون افتتاني بالفنتازيا وقدر اقل منهم يفهم علاقتها بمجابهة اشكال الوصم والعداء على الاختلاف والمسألة أن الفنتازيا تعطي الاختلاف اشكال لا حصر لها و انها تلغي تماما ادنی أرضية للتشابه فمن اشخاص يعيشون في ابعاد أخرى غير التي نعيش فيها الى كائنات بقدرات وحواس لا نملكها ناهيك عن اشخاص لا يقع التباين بينهم على طيف واحد من تدرجات الألوان الرملية بل على أطياف لا حدود لها من ألوان الفضائيين كل تلك الاختلافات الشاسعة التي لو ألفناها ستوضح لنا مدی بساطة وسطحية الاختلافات فيما بيننا.

تقسم الكاتبة الأمريكية إن کیه جیمسن بناء العوالم الفنتازية إلى قسمين البناء الكلى او micro- World building والذي يتضمن رسم الأقطار والقارات ووضع القوانين البيئية والفيزيائية التي تحكم العوالم البديلة، والبناء الجزئي الذي يتضمن الأعراف والتقاليد وديموغرافيا تلك العوالم وسائر اشكال الاختلافات بين سكانها من ثم إعطاء تلك الاختلافات معنى ولطالما استوقفتني هذه النقطة بالتحديد ليس فقط لأنها تذكرنا بأن المعاني التي نستخلصها من الاختلافات من صنعنا تماما حيث لا يوجد في الماضي او الحاضر مايبرر وصم او اقصاء الآخرين ووحدها الطريقة التي نختاران نخبر بها القصص هي ما تفعل ذلك، إضافة إلى هذا وجدتها توضح جانبا من قدرة الفنتازيا على إعادة صياغة سبل إداراتنا للاختلاف إما بتمثيله كما يمكن أن يكون عليه ايجابا على نحو يدنينا من اليوتوبيا او ما قد يؤول إليه سلبا على نحو ينحدر بنا إلى الديستوبيا او ببساطة التعبير عنه كما هو على نحو يسمح لنا بنقد واقعنا بأعين جديدة.

لم اتجرد يوما من دهشتي امام الكلمات ولازلت أرى السحر الناجم عن انبعاث العوالم والاصوات والموسيقى من السطور السوداء على الورق على نحو يعدني كالحياة وكالاختلاف بقدر مديد ولا نهائي من الدهشة أمام الجمال لا امام القبح وأعي إلى أي مدى قد يعد ذلك صعبا في ظل العديد من التحديات الإنسانية من حولنا تلك التي تحمل كل صناع الجمال والمعنى مسؤولية عملاقة متمثلة في التبل الملازم للالتفات لكافة الموشكين على التلاشي في هذا العالم وفي رؤيتهم على نحو يسمح لهم برؤية انفسهم ورؤية واقعهم مما يتيح لهم إعادة صياغته وبناءه ، ختاما اشکر سلطنة عمان ممثلة في وزارة الثقافة والرياضة والشباب على طیب الاستضافة وحسن الاستقبال واشكر هيئة الأدب والنشر ووزارة الثقافة بالمملكة العربية السعودية على كافة الجهود الواعدة واشكركم جزيلا… جزيلا على طيب الإنصات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.