من روائع الادب : عندما يُهزم الضمير أمام مجتمع يتغذى على الغش والنفاق**

0 67

في قرية تفتقر إلى أبسط القيم، تتجسد حلقة مفرغة من الغش والفساد حيث كل طرف يساهم في انهيار المجتمع دون أن يدرك أنه ضحية لما صنعته يداه. تبدأ القصة من الفلاح الذي سقى البطيخ والخيار والبصل بمياه ملوثة ليبيعها ويربح، ثم يشتري من مربي الدواجن ديكًا رومانيًا محشوًا بالمسرطنات. أما مربي الدواجن، فهو نفسه يفضل لحم الخروف لأنه يعرف خفايا تجارته، لكنه لا يعلم أن الخروف الذي اشتراه قد نفخ بالكورتيكويد.

الجزار، الذي يدرك جيدًا أسرار تربية المواشي، يهرب إلى سوق السمك ليبحث عن غذاء “طبيعي”، لكنه يشتري سمكًا صيد بالمتفجرات ومعه خيار وبصل من الفلاح الأول. بعد وجبته، يدخل الجزار في دوامة التسمم.

يتقاطع مصير هؤلاء عند الطبيب، الذي يغيب عن عمله لأسباب غامضة، ليكتشفوا أن ميكانيكيًا مكسور الأطراف موجود أيضًا بعدما انقلبت سيارته بسبب طريق هندسها مهندس فاسد سرق من أموال المشروع. المهندس نفسه، مكسور الوجه، بعدما فقد السيطرة على سيارته بسبب غش الميكانيكي في تثبيت مسمار سابقًا.

وفي زاوية أخرى من القاعة، نجد صاحب مطعم مريضًا بمرض معدٍ بسبب حلاق أهمل تعقيم أدواته. أما الحلاق، فهو الآخر مسموم نتيجة وجبة فاسدة تناولها عند نفس صاحب المطعم، الذي لم ينظف أدوات مطبخه منذ عقود.

تجمع هؤلاء المصابين في عيادة الطبيب الغائب أشبه بمشهد عبثي لمجتمع يحتضر. يبدأون نقاشًا ساخنًا حول الضمير الميت، يتبادلون الاتهامات ويلعنون البلد الذي يعيش بلا أخلاق ولا أمانة.

لكن الحقيقة المؤلمة هي أن كل فرد منهم، بطريقته الخاصة، جزء من هذا الفساد. كل غش صغير، كل التفاف على القواعد، هو سهم موجه نحو قلب المجتمع.

**الضمير ليس كلمة تقال في نقاش ساخن، بل فعل يومي يتجسد في الأمانة والإتقان. المجتمعات لا تموت فجأة، بل تنهار ببطء حين يستبدل الضمير بالنفاق، والصدق بالغش.**

هنا السؤال: هل نحن ضحايا؟ أم شركاء في الفساد الذي نعيش فيه؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.